سوق الحمير

بقلم / سيد علي


كان السوق يعجّ بالضوضاء كالعادة، لكنها لم تكن ضوضاء بشرية، بل كانت شيئاً أشبه بصهيل متقطّع، ونباحٍ مشوّش، وصراخٍ بلا معنى. دخلتُ السوق وأنا أحمل حقيبتي البالية، التي لم تكن تحوي سوى قلماً وورقةً صفراء، وكِسرَةَ خبز يابسة.

لم يكن أحدٌ يبدو مُهتماً بوجودي، ولا بوجود أيّ أحد آخر.

الجميع كانوا يتحركون في دوائر، يضربون بأرجلهم الأرض، يصرخون، يضحكون، ثم يعودون إلى الصمت فجأةً وكأن شيئاً لم يكن.

سألتُ رجلاً يجلس على دكّان متداعية: “ما هذا المكان؟”

نظر إليّ بعينين زائغتين وقال: “سوق الحمير، يا سيدي!

هنا نبيع ونشتري!”

“ولكن… أين الحمير؟”

ضحك الرجل ضحكةً مكتومة، ثم أشار حوله: “هم هناك! كلّهم! انظر إليهم جيداً!”

نظرتُ إلى الحشود. كانوا يرتدون ملابس بشرية، يتكلمون بكلمات بشرية، لكنّ عيونهم كانت خالية، كعيون حيوانات سُحقت أرواحها منذ زمن بعيد.

“هم لا يفكّرون، أليس كذلك؟” همستُ.

هزّ الرجل رأسه: “لا حاجة للتفكير هنا. كلّ ما عليك فعله هو أن تصفق حين يُقال لك ذلك، أو تلعن حين يُطلب منك. البقية… لا تهم لفعل شيئ.”

شعرتُ بثقلٍ في صدري. سوق الحمير هذا لم يكن مكاناً لبيع الحيوانات، بل كان سوقاً للبشر

لا أقوى حتى على ذٌكر التشبيه ، فقد ملئني الحزن و كُسِرتُ بالحصرة

خرجتُ من السوق وأنا أسمع “الصهيل” يلاحقني، حتى بعد أن أغلقتُ ورائي البابَ الصدئ.

في النهاية، لم يكن السوق سوى مرآةً لمجتمعنا. مجتمعٍ حوّل أفراده إلى كائنات تردّد، تتبع، تصفق أو تلعن… لكنها نادراً ما تفكّر.

لم يكن سوقًا للحمير.

دمتم بخير
سيد علي

“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
الصورة
لوحة للفنان / سيد سعد الدين
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””

Related posts